فصل: القاعدة الثالثة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


القاعدة الثالثة

صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين ثبوتية وسلبية‏:‏

فالثبوتية‏:‏ ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك‏.‏

فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل‏.‏

أما السمع‏:‏ فمنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 136‏]‏ ‏.‏ فالإيمان بالله يتضمن‏:‏ الإيمان بصفاته، والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله، وكوْن محمد صلى الله عليه وسلم رسوله يتضمن الإيمان بكل ما أخبر به عن مرسله، وهو الله ـ عز وجل‏.‏

وأما العقل‏:‏ فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلًا، وأحسن حديثًا من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتى حين يكون الخبر صادرًا ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العيّ بحيث لا يفصح عما يريد، وكل هذه العيوب الثلاثة ممتنعة في حق الله - عز وجل - فوجب قبول خبره على ما أخبر به‏.‏

وهكذا نقول فيما أخبر به النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الله تعالى، فإن النبي، صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه وأصدقهم خبرًا وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بيانًا، فوجب قبول ما أخبر به على ماهو عليه‏.‏

والصفات السلبية‏:‏ ما نفاها الله سبحانهعن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب‏.‏

فيجب نفيها عن الله تعالى ـ لما سبق ـ مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه، لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلًا عن أن يكون كمالًا، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالًا كما لو قلت‏:‏ الجدار لا يظلم‏.‏ وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصًا، كما في قول الشاعر‏:‏

قبيلة لا يغدرون بذمّةٍ ** ولا يظلمون الناس حبة خردل

وقول الآخر‏:‏

لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب

** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

* مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 58‏]‏ ‏.‏ فنفي الموت عنه، يتضمن كمال حياته‏.‏

* مثال آخر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 49‏]‏ ‏.‏ نفي الظلم عنه، يتضمن كمال عدله‏.‏

* مثال ثالث قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 44‏]‏ ‏.‏ فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته‏.‏ ولهذا قال بعده‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 44‏]‏ ‏.‏ لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض‏.‏

وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال‏.‏

القاعدة الرابعة‏:‏ الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال

فكلما كثرت وتنوعت دلالاتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية، كما هو معلوم‏.‏

أما الصفات السلبية فلم تذكر غالبًا إلاّ في الأحوال التالية‏:‏

الأولى‏:‏ بيان عموم كماله كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولم يكن له كُفُوًا أحد‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 4‏]‏ ‏.‏

الثانية‏:‏ نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، كما في قوله‏:‏ ‏{‏أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 91‏:‏ 92‏]‏ ‏.‏

الثالثة‏:‏ دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلّق بهذا الأمر المعين، كما في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 16‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 38‏]‏ ‏.‏